DELMON POST LOGO

القيود المفروضة على الاختصاص التشريعي والرقابي لمجلس النواب .. سبب من أسباب ضعف إداءه .. 1-2

قال المحامي حسن اسماعيل في ندوة جمعية المنبر التقدمي التي بعنوان " حق الانتخاب والترشح وصلاحيات مجلس النواب " مساء امس ، أن قراءة تجربة أعمال مجلس النواب التي بدأت في ظل المشروع الإصلاحي منذ الفصل التشريعي الأول في ديسمبر 2002 وحتى الفصل التشريعي الخامس الماضي، تكشف أن الحكومة رغم القيود التي وضعتها على وسائل الرقابة البرلمانية كانت وما تزال تخشاها، وظلّت الحكومة على مدار عمر هذه التجربة تضع من القيود الجديدة على هذه الوسائل.
وتطرق اسماعيل الى اعمال مجلس النواب والتي منها :
أولاً: في الاختصاص الرقابي على أعمال الحكومة:
البرلمان كما يقول فقهاء القانون العام هو قبل كل شيء جمعية مراقبين، مهمته الأولى – وربما الأكثر أهمية من التصويت على القوانين – هي مراقبة الحكومة عن طريق طرح موضوع عام للمناقشة وتوجيه الأسئلة والاستجوابات وسحب الثقة، وتشكيل لجان التحقيق ومناقشة الميزانية وإجبار الحكومة على تبرير تصرفاتها وقراراتها أمام الناس.
وقد أقرّ دستور مملكة البحرين 2002 شأنه في ذلك شأن دستور1973 مبدأ إخضاع أعمال الحكومة للرقابة البرلمانية، إلا أن دستور 2002 رغم انه قد انتقص من وسائل هذه الرقابة بأن ألغى بعضها، وقلّص من صلاحيات بعضها الآخر، إلا أن هذه الوسائل ظلت في هذا الدستور أدوات هامة بيد أعضاء مجلس النواب لمراقبة الحكومة متى ما استخدمت استخداماً فعالاً، ومتى ما ألغيت القيود التي وضعتها اللائحة الداخلية عليها، ومتى ما وجد النائب الذي يتقن فن استعمالها.
لن نشير في بيان هذه القيود لكل وسائل الرقابة التي يختص بها مجلس النواب بل ستناول كمثال لوسيلة طرح موضوع عام للمناقشة ووسيلة السؤال والاستجواب كما يلي:
1- وسيلة طرح موضوع عام للمناقشة العامة
قد استبشر المتابع للشأن السياسي والدستوري خيراً بما نصت عليه التعديلات الدستورية لعام 2012، بأن أعادت الاعتبار لحق مجلس النواب في طرح موضوع عام للمناقشة العامة، كوسيلة من الوسائل الرقابة فنص في المادة (68 البند ب) على انه (يجوز بناءً على طلب موقع من خمسة أعضاء على الأقل من مجلس النواب، طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة الحكومة في شأنه، وتبادل الرأي بصدده، وفقاً للضوابط التي تحددها اللائحة الداخلية للمجلس).
وقد مارس مجلس النواب وسيلة طرح موضوع عام للمناقشة في فصله التشريعي الخامس المنصرم 10 مرات لعل أبرزها الموضوع المتعلق بالسياسة التعليمية في البحرين التي تمت مناقشته في جلسة المجلس المؤرخة في 2019-11-05، وكانت بحق مناقشة لموضوع كان يهم قطاع كبير من شعب البحرين أزعجت صانع قرار السياسية التعليمية في البحرين تمخض عنها 70 توصية تمت الموافقة على إحالتها للحكومة.
ولان المناقشة العامة أصبحت مزعجة لصانع السياسية العامة في الدولة صدر خلال فترة إجازة المجلس ما بين دور الانعقاد الثاني والثالث ودون ان يتوافر له شرط الاستعجال مرسوم بقانون رقم (26) لسنة 2020 بتعديل المادة (173) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب صدر في 3 سبتمبر 2020، فوضع التعديل قيود على المناقشة العامة نالت من مفهوم وأهمية المناقشة العامة، وأفرغت المناقشة العامة من محتواها ومن الغاية التي شرعت لأجلها وقد وافق للأسف المجلس عليها.
فنصّ هذا التعديل على القيود التالية:
• لا يجوز لأكثر من عشرة أعضاء الاشتراك في المناقشة العامة.
إنها تتعارض مع خاصية عمومية المناقشة العامة ذلك أن من اهم وابرز خصائص المناقشة العامة التي أوجدها الفقه والقانون الدستوريين، أنها وسيلة جماعية وأن المناقشة فيها يتعين تكون عامة، وأن الأساس الجوهري التي تقوم عليه وتمتاز به وسيلة طلب طرح موضوع عام للمناقشة العامة كوسيلة من وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة هي ان تكون المناقشة عامة بمعنى أن يشارك فيها جميع أعضاء المجلس النيابي أو على الأقل الراغب منهم، وذلك باعتبارها وسيلة جماعية وليست فردية بنص الدستور في مادته ( 68 / البند ب) التي تستلزم أن يتوافر في طلب طرح المناقشة العامة عدد موقع من خمسة أعضاء على الأقل .
وبناء عليه وهديا به فإن ما أجراه المشرع من تعديلات على نص المادة (173) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب بتحديد عدد عشرة أعضاء فقط للاشتراك في المناقشة العامة يخالف ويناقض الأساس الذي يقوم عليه طلب طرح موضوع عام للمناقشة العامة، وهو عمومية المناقشة، أي حق من يريد من أعضاء مجلس النواب في المناقشة دون تقييد ذلك بعدد معين.
غير أن هذا الرأي يصطدم بما فسرته المذكرة التفسيرية للمادة (68 / البند ب) من تفسير ملتوٍ يخالف ما استقر عليه الفقه الدستوري وما تسير عليه معظم الدول في دساتيرها حين نصّت على أن تنظيم طرح موضوع عام للمناقشة العامة سيخضع (وفقاً للإجراءات التي ستنص عليها اللائحة الداخلية للمجلس وخاصة تحديد عدد من يشترك في المناقشة).
• ولا يجوز أن تتضمن المناقشة توجيه النقد أو اللوم أو الاتهام، أو أن تتضمن أقوالاً تخالف الدستور أو القانون أو تشكل مساساً بكرامة الأشخاص أو الهيئات أو إضراراً بالمصلحة العليا للبلاد.
إذا كان من المقبول أن يحدد التعديل وقتا للمناقشة مدته خمس دقائق لكل عضو من الأعضاء العشرة، وإذا كان صحيحاً أن ينص التعديل على عدم إجازة توجيه الإتهام في المناقشة العامة – لأن هذه الوسيلة لا تهدف إلى توجيه الاتهام للوزير بهدف تحريك مسؤوليته السياسية كما هو الحال في الاستجواب، بل تهدف إلى الوصول إلى حلٍ بإصلاح الوضع أو المشكلة محل موضوع المناقشة بالتعاون بين البرلمان والحكومة.
غير أنه ليس من المقبول على الاطلاق أن يشتمل التعديل على عدم إجازة توجيه النقد أو اللوم إلى الوازرة المعنية عند مناقشة موضوع عام يتعلق بها، فلن يكون لمناقشة الموضوع العام أي جدوى ولن يحقق الهدف منه دون نقد أو لوم، وسيكون النقاش فيه مضيعة للوقت، فلا إصلاح للمشكلة دون انتقاد.
2- السؤال:
السؤال له أهميته في الرقابة البرلمانية، إلا انه لا يحرك المسؤولية السياسية للحكومة كما هو الحال في الاستجواب كما سنرى لاحقا، فهو يقيم حوارا ثنائيا بين عضو المجلس وأحد الوزراء يريد منه الاستفهام عن أمر يجهله أو عما وصل إلى علمه، فهو لا يثير مناقشة عامة في موضوعه يتدخل فيه بقية أعضاء المجلس، والسؤال لا يؤدي إلى اتخاذ أي قرار من المجلس، بل ينتهي إما بالإجابة أو بالتعقيب على إجابة الوزير.
مع أن السؤال لا يؤدي إلى تحريك المسئولية السياسية، إلا أن اللائحة الداخلية للمجلس قيدته، وعلى الرغم من إيجابية التعديل الدستوري لعام 2018 بشأن وسيلة السؤال كوسيلة رقابية لمجلس النواب حين تم تعديل المادة (91) من الدستور بأن وسعت من دائرة الموجه لهم السؤال بحيث شمل التعديل أعضاء مجلس الوزراء بعد أن كان مقتصرا على الوزراء.
وحددت المذكرة التفسيرية للتعديل الدستوري لهذه المادة من الدستور المقصود من أعضاء مجلس الوزراء من غير الوزراء على انه (توجيه الأسئلة إلى أعضاء مجلس الوزراء بما يشمل رئيس مجلس الوزراء ونوابه، ولا تكون الإجابة على أسئلة أعضاء مجلس النواب في هذه الحالة إلا مكتوبة).
غير أن المذكرة التفسيرية تستثنى منهم صاحب السمو الملكي ولي العهد حين كان نائباً أول لمجلس الوزراء وتسبب المذكرة التفسيرية هذا الاستثناء ( بأن ( المادة (34) من دستور البحرين أجازت أن يكون ولي العهد عضواً في مجلس الوزراء الموقر، إلا أنها أفردت أحكاماً خاصة تتناسب مع كونه نائباً لجلالة الملك يمارس صلاحياته في حال غيابه ويرأس السلطات الثلاث، وأن إعمال نص المادة (34) المشار إليها مع التعديل بتوجيه الأسئلة إلى أعضاء مجلس الوزراء يقتضي بالضرورة ألا يشمل ولي العهد حال توليه الوزارة أو كونه أحد نواب رئيس مجلس الوزراء وذلك للمكانة الخاصة التي يتبوءها والتي لا تسمح بتوجيه أية أسئلة إليه إذا كان عضواً بمجلس الوزراء، حيث إن نيابته عن الملك تكون قائمة كأصل عام في كل وقت يغيب فيه جلالة الملك خارج البلاد إلا إذا تعذر ذلك استثناءً ).
غير أن تعديلات اللائحة الداخلية لمجلس النواب بموجب المرسوم بقانون رقم (49) لسنة 2018 قد نالت من هذه الإيجابية النسبية التي نص عليها التعديل الدستوري بشأن السؤال حين نصت واشترطت اللائحة الداخلية بأن لا يكون السؤال متعلقا بسابقة على الفصل التشريعي، ما لم يكن موضوع السؤال مستمراً خلال الفصل التشريعي الذي وُجِّه فيه السؤال.
ذلك أن البحث في استمرارية موضوع السؤال من عدم استمراريته خلال الفصل التشريعي الذي وُجِّه فيه السؤال .فضلا عن جود الاستمرارية من عدم جودها ستكون حمالة أوجه أي قابلة للاجتهاد والتفسير فقد يرى بعض من أعضاء المجلس أن موضوع السؤال مستمراً، في حين يرى البعض الاخر ليس كذلك فأنه ايضا سيشغل أجهزة مجلس النواب في هذا البحث في وقت يزدحم فيه جدول إعماله بعدد هائل من الموضوعات المتعددة ، لماذا لا يترك تحديد ذلك للوزير الذى وجه إليه السؤال ليجيب أن موضوع السؤال قد تم تجاوزه وحله ولم يعد موضوعه مستمرا ، كما أن السائل قد يطلب في السؤال معلومات أو إحصائيات تتعلق بموضوع السؤال يحتاجها حتى وأن كان موضوع السؤال غير مستمر في الفصل التشريعي الذي قدم فيه.
كما ينال من التعديلات الدستورية الإيجابية ما نصت عليه تعديل اللائحة الداخلية بجواز رئيس المجلس استبعاد السؤال إذا لم تتوافر فيه السؤال الشروط اللازمة له، بدلا من مكتب المجلس كما هو في النص الأصلي، وفي حالة اعتراض العضو مقدم السؤال على وجهة نظر الرئيس، عُرِض الأمر على مكتب المجلس للبتِّ فيه ويكون قراره في هذا الشأن نهائياً. بدلا كما هو في أصل النص أن الراي النهائي للمجلس، ويعد هذا التعديل مصادرة لحق بقية أعضاء مجلس النواب في مناقشة مدى توافر هذه الشروط في السؤال من عدمه، ويتعين أن يكون المجلس هو صاحب القرار النهائي، تماما كما كان في النص قبل التعديل. (330) سؤالا برلماني.
3- الاستجواب:
يعتبر الاستجواب أهم وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة، إذ يحقق رقابة فعليه لمجلس النواب في مواجهة السلطة التنفيذية، وهو يعني محاسبة الوزير واتهامه في الوقت ذاته، وقد يؤدي إلى تحريك مسئوليته السياسية بطرح الثقة به وإجباره على الاستقالة، والاستجواب على عكس السؤال يفتح مناقشة حقيقية لا يشارك فيه مقدمو الاستجواب وحدهم بل سائر الأعضاء.
وعلى الرغم أن الاستجواب كان مقيدا في الدستور واللائحة الداخلية منذ الفصل التشريعي الأول بضرورة مناقشة الاستجواب داخل اللجان وليس داخل المجلس، فأن المجلس نجح بأغلبية الأعضاء بالموافقة لأول مرة في هذا الفصل على اثر ما توصلت إليه لجنة التحقيق في تجاوزات الهيئتين ، الهيئة العامة للتأمينات ، وصندوق التقاعد ، بتوجيه ثلاثة استجوابات لكل من وزير المالية ، وزير العمل ، وزير الدولة بصفته رئيسا سابقا لمجلس إدارة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية ، أبرزها الاستجواب الموجه لوزير المالية والاقتصاد الوطني بصفته رئيسا لمجلس إدارة الهيئة العامة لصندوق التقاعد الذي تقدم به 17 نائب،
غير ان هذا الاستجواب رغم أنه لم يؤدي إلى إدانة الوزير المستجوب، وبالتالي لم يؤدي إلى طرح الثقة به، إلى انه وصل إلى مناقشة الوزير في اللجنة المعنية التي أحيل إليها واصدرت تقريرا بشأنه اشتمل على ملاحظات وتوصيات وتوصل إلى عدم ادانة الوزير، وصوت المجلس على تقرير اللجنة بجلسة 25 مايو 2004 إذ صوت 8 نواب غير موافقين على التقرير وإدانة الوزير وهم السادة احمد حسين ، جاسم عبدالعال ،سمير الشويخ ، عبدالهادي مرهون ، عثمان شريف ، محمد آل عباس ، يوسف زينل ، وعبدالنبي سلمان و29 نائبا موافق على عدم إدانته من اصل 37 . نائب. ادارة الندوة محمود ربيع .