DELMON POST LOGO

بين مشهدين .. مذبحة صبرا وشاتيلا وأربعين الإمام الحسين ع

بقلم محمد حسن العرادي

مشهدين عظيمين بين كربلاء المقدسة وبيروت المقاومة:

تمر علينا هذه الأيام ذكرى المشاهد الحزينة المثقلة برائحة الدم والذبح والمجازر، وما نتج عنها من مشاهد دموية مروعة عنوانها الغدر والإجرام والاستبداد والتطهير العرقي الخالي من أي شعور إنساني، مشاهد تتصف بانعدام الضمير، مليئة بالحقد والضغينة وروح الانتقام والثأر والتسلي بالسلب والنهب والقتل والإبادة الجماعية بلا رحمة أو هوادة.
الحدث:
حدث في كربلاء .. نوفمبر 680 ميلادية الموافق 20 صفر 61 هجرية حين عاد الركب الحسيني الرسالي من رحلة السبي الحزينة إلى الكوفة والشام، ليطوف بمدافن القتلى ويتزود منهم بعد مضي اربعين يوماً على المجزرة في طفوف أرض كربلاء المقدسة، فثار أمام أعينهم ذلك المشهد الدامي، حيث محاولة ابادة سلالة نبي الهدى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، ما أدى إلى استشهاد السبط الإمام الحسين ع سيد شباب اهل الجنة، واكثر من 70 شهيداً من ابناءه واخوانه وأنصاره، وبنات الرسالة يتفاررن من تلعة إلى أخرى بحثاً عن مأوىً يقيهن السلب والنهب والضرب والتشفي والانتقام على أيدي جنود الجيش الأموي المجرم.
حدث في بيروت المقاومة ..
19 سبتمبر 1982 أتيح للبنانيين والفلسطينيين الدخول الى مخيمي صبرا وشاتيلا، فهالهم ما رأوا من مشاهد الذبح والقتل والتمثيل بالجثث، مشهدٌ دموي لمجزرة مروعة غير انسانية ارتكبتها ميليشيات حزب الكتائب بحماية الجيش الصهيوني، فسقط من جرائها 700 - 3500 شهيد في صفوف الفلسطينيين واللبنانيين.
الإبادة:

في كربلاء المقدسة ..

أمر المجرم عمر بن سعد بن إبي وقاص قائد الجيش الأموي الإرهابي باستهداف الإمام الحسين ع وتهشيم أضلاعه وعضامه، فأرسل 10 من خيول الأعوجية لرض جسده أمام اعين نسائه وأطفاله، بعد أن خرَ للأرض مثخناً بالجراح يخور في دمه وهو ينادي "وحق جدي أنا عطشان" فنزل اليه الإرهابي شمر بن ذي الجوشن الضبابي وصعد على صدره، ثم قلبه على ظهره وذبحه من الوريد إلى الوريد (كما فعل الدواعش في ضحاياهم وهم ينحرونهم كالخراف أمام شاشات التلفزيون وكاميرات التصوير).
في بيروت المحاصرة ..
قبل أربعين عاماً في مثل هذا اليوم 16 سبتمبر 1982 أمر المجرم الصهيوني الارهابي أرييل شارون جيشه الغازي بتسهيل دخول مليشيات حزب الكتائب اللبنانية إلى مخيمي صبرا وشاتيلا، لتبدأ التصفيات والذبح بدمٍ باردٍ خالٍ من الإنسانية والرحمة، لاحقوهم في البيوت والمساجد والشوارع، أطلقوا عليهم وابلٍ من الرصاص الغادر، ثم سحقوا عظامهم دهساً بالمصفحات وسحلاً بالسيارات وتركوهم ينزفون حتى الموت.

الحصار:

في كربلاء المقدسة .. فرض الجيش الأموي الحصار الكامل على مخيم أهل البيت، لم يترك لهم منفذاً للفرار، أو ملجئاً للسلامة، ولم يُسمح لهم بالوصول إلى نهر الفرات القريب منهم لشرب الماء، ثلاثة أيامٍ من الجوعِ والهلع والعطش تحضيراً للقتل وحفلات الإعدام، فارتقى أكثر الرجال والشباب شهداء على طريق الدفاع عن بيضة الاسلام.

في مخيمي صبرا وشاتيلا ..

فرض الجيش الصهيوني الإرهابي طوقاً من النار على المخيمين، عزلهم عن محيطهم، ثلاثة أيام بلياليها ممنوعين من الماءٍ والغذاءٍ، ثم إستعرت نيران البغي والعدوان تغتال الأطفال وتبقر بطون النساء بمنتهى الجبن والإجرام، تصطادهم كطرائد تفر مفزوعة هاربة من صياديها.

المشاعل والأنوار:

في كربلاء المقدسة .. تُحيط مشاعل النيران الأموية المشتعلة باللهب بالمخيم الحسيني تنشر الرعب والخوف والتوجس، ترصد كل حركة صغيرة وكبيرة، تتلذذ بالفزع والهلع وهو يتسلل إلى نفوس بنات الرسالة وأطفال بيت النبوة، وينادي المجرم عمر بن سعد " أحرقوا بيوت الظالمين" وتحت شعار " لا تبقوا من أهل هذا البيت أحداً "لايتورع الجيش الأموي القاتل عن إرتكاب أبشع الجرائم والفضائع من الذبح والسلب والنهب بدم بارد وروح انتقامية.

في مخيمي صبرا وشاتيلا ..

يُسلط الجيش الصهيوني الكشافات العالية الإنارة على المخيمات من كل جانب، فيدب الرعب في جميع زوايا المخيم، حتى لا تهرب إمرأة منكوبة أو يختبئ طفل مرعوب، ثم تبدأ حفلات الذبح الجماعي، فِرقُ الموت الكتائبية تتحرك بكل حرية داخل أروقة وأزقة المخيمات تنهب وتسلب كل ما تصل إليه أيديها، وأوامر الإرهابي المجرم أرئيل شارون وزير الحرب الصهيوني، "لا تبقوا من أهل هذه المخيمات أحداً على قيد الحياة" حتى لا يكون شاهداً على الجريمة، و تحت شعار " أرعبوهم حتى يغادر جميع الفلسطينيين أرض لبنان فتصبح هذه البلاد مستباحة لنا وآمنة لجنودنا" تستفيد المليشيات الكتائبية من التجربة الصهيونية لعصابات الهجانا واشتيرن النكراء في مذابح مدرسة بحر البقر ودير ياسين وكفر قاسم وغيرها.

الذهول:

في كربلاء المقدسة ..

بعد إنتهاء حفلة الاعدام والإبادة الجماعية لنسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقف السيدة الحوراء زينب إبنة علي بن أبي طالب ع تُجمع الأطفال اليتامى والأرامل والأيامى في ما تبقى دون حرق من خيمة الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام ، تُهرول بين جثث القتلى والشهداء، تبحث عمن نجا من الأطفال المذهولين لعظم المصاب، تطمئن عليهم وتحميهم من الغدر الأموي.

في مخيمي صبرا وشاتيلا ..

ينسحب الجيش الصهيوني جانباً بعد أن اكتملت مهمة القتل وانجزت المجزرة، فتهب واقفة بشموخ نساء فلسطين ولبنان كطائر الفينيق يخرج من تحت الرماد، ينفضن الموت المتعلق بثيابهن، يتنقلن من كومة جثث إلى أخرى، يتفقدن القتلى ويتعرفن على الأجساد الممزقة، باحثات عن نَفَسٍ صاعدٍ وقلوب لا تزال تنبض بالحياة، لكن المشهد الارهابي لا يطاق ولا يصدق.

الشموخ والكبرياء:

في كربلاء المقدسة ..

تخرج السيدة زينب عليها السلام مجللة بالوقار المحمدي إلى ميدان المذبحة تمشي بكل شموخ ويقين وصبر حتى إذا وصلت إلى جسد الإمام الحسين ع التريب السليب، إنحنت عليه بكل إحترام وأدب جم ورباطة جأش تذهل الدنيا بأجمعها، وضعت كلتا يديها أسفل الجسد الطاهر ورفعته بكل قوة وهي ترمق السماء بطرفها متجلدة صابرة محتسبه لله قائلة " اللهم تقبل منا هذا القربان اليسير". مشهد عظيم ليس له مثيل.

في مخيمي صبرا وشاتيلا ..

تخرج من بين الجثث المحروقة والبطون المبقورة والأطفال المذبوحة، من نجا من نساء فلسطين ولبنان دون ذبح، وبكل عزيمة تسير الصابرات المحتسبات بين الجساد الطاهرة للشهداء والضحايا الذين فقدوهن، وبين روائح الموت والرعب المنتشر في الزواريب الضيقة في المخيم التي ملئت الأجواء عبقاً وشهادة، يتلين الفاتحة على أرواح الشهداء، ويسجلن للتاريخ شهاداتهن أمام الصحفيين والمراقبين يوثقون المجزرة وعمليات القتل والاعدام والإبادة الجماعية.

مقابر جماعية:

في كربلاء المقدسة ..

دُفنت الأجساد الطاهرة في قبرين جماعيين إلى جانب ضريح الإمام الحسين ع ، فيما دفن العباس بن علي بن أبي طالب منفرداً بالقرب من نهر الفرات حيث وقع مفضوخ الراس مقطوع اليدين، فأصبح الضريحين (مشهد الإمام الحسين ومشهد الامام العباس عليهما السلام) مزاراً مقدساً ، وتضج المساحة الفاصلة بين الضريحين المقدسين سنوياً بالملايين من الحالمين بالعدالة الإلهية من كل بقاع العالم ومن كل الديانات السماوية وغير السماوية لزيارتهما والترحم عليهما وتخليدهما لكي لا ننسى المذبحة والمأساة.

في مخيمي صبرا وشاتيلا ..

تنتصب مقبرة الشهداء الذين قُصفت أعمارهم من صغار وكبار، نساء وشيوخ ورجال، في قبور جماعية شاهدة على بشاعة الجريمة النكراء التي ارتكبها الجيش الصهيوني الجبان وعملائه من مليشيا الكتائب الإرهابية، يزورها الشرفاء والوفود المتضامنة من كافة أرجاء العالم، يجددون العهد والوعد، بأنهم على طريق القدس سائرون حتى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، فتصبح المأساة ماثلة وشاهدة على بشاعة المجزرة لكي لا ينسى العالم هذا الاجرام الصهيوني ابداً.

رمز الحرية والإباء:

في كربلاء المقدسة.. يُصبح الإمام الحسين ع رمزاً للحرية والثورة، يتذكره العالم وهو يزف أبناءه وإخوته وأنصاره شهداء على درب الدفاع عن الحق والحرية، ثم يقف وحيداً مُفرداً بين الجموع يواجه جيشاً جراراً يُقدر بأكثر من 30 الف قاتل مجرم سفاح من جنود الجيش الأموي، يرمق السماء بنظرة المؤمن الممتلئ يقيناً، يتلقى بكفيه الشريفتين دماء طفله الصغير عبدالله الرضيع الذي استشهد في حضنه، فيرمي بالدم إلى السماء منادياً " إلهي إن كان هذا يرضيك فخُذ حتى ترضى" ثم ينتصب منتفضاً واثقاً من عدالة قضيته فيقول " إن كان دين محمدٍ لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني".

في مخيمي صبرا وشاتيلا..

يقف المناضلون من أبناء لبنان وفلسطين أمام القبر الجماعي لضحايا المذبحة، سائرون على طريق الآلام، قابضين على الجمر، يتعاهدون بالدفاع عن الحق الذي لن يضيع أبدا، مؤمنين بقدسية قضية فلسطين التي لن تندثر ولن تنسى، يحملون أرواحهم على أكفهم، يفضحون العدو الصهيوني ويكشفون زيف ادعاءاته التاريخية، أجيال من المناضلين السائرين على دروب الحق والتضحية والفداء حتى تتحرر كل فلسطين.

الحق يعلو ولا يعلى عليه:

في كربلاء المقدسة.. يثبت أن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام يوم الساعة، فقد مضى واندثر حكم يزيد الأموي وعبيدالله بن زياد وعمر بن سعد، الذين قتلوا الإمام الحسين ع وأهل بيته وانصاره وسلبوا ونهبوا نساء وأطفال آل بيت محمد صلوات الله وسلامه عليه، لكن ذكرى الإمام الحسين عليه السلام وثورته الخالدة لاتزال تُلهم الأحرار في كل العالم، ولا يزال الإمام الحسين ع خير مثالٍ ودليلٍ على أن العين يمكن أن تنتصر على المخرز، وإن الدم يمكن أن ينتصر على السيف، وصدق الشاعر حين قال: "كذب الموت فالحسين مخلد، كلما أخفق الزمان تجدد".

في فلسطين الصابرة ..

ينتفض الشعب الفلسطيني في كل أرجاء الأرض المحتلة، بكل فئاته، تشتعل شموع الثورة والانتفاضة كلما حاولوا إخماد نارها، تتجدد دماؤها الزكية كلما إغتالوا أحداً من أبنائها وبناتها، وكلما ذهب جيل من الشهداء، جاء جيل اكثر قوة وبأساً وإصراراً عنيدا، يحمل الراية ويمضي من أجل تحرير فلسطين كل فلسطين.

النصر المؤزر والثورة الدائمة:

في كربلاء المقدسة.. إنتصر الإمام الحسين ع بالصبر والإيمان، آمنت به الملايين حول العالم، وسارت المسيرات تهتف باسمه وترفع راياته في أوروبا وأمريكا وجميع دول العالم، وها هي زيارة الأربعين تشهد أكبر تجمعات العالم، ملايين من العاشقين يتوجهون مشياً على الاقدام إلى كربلاء يجددون العهد والوعد مع الإمام الحسين عليه السلام بان يكونوا من أنصاره ومحبيه وعلى دربه سائرون.
في فلسطين الصابرة ..
يستيقظ الضمير المقاوم في كل مكان، يستنهض الهمم من جديد، فيخرج متضامناً معها مؤمناً بقضيتها آلاف الأحرار في شوارع وطرقات العواصم العالمية، يُطالبون بسقوط نظام الأبرتهايد الصهيوني، كما سقطت كثير من أنظمة الفصل العنصري في مختلف أرجاء العالم، ويرفرف علم فلسطين عالياً محمولاً بقبضات أجيال من اطفال وشباب ونساء العالم، وهم ينتظرون النصر والتحرير، والله من وراء القصد.