DELMON POST LOGO

جرة قلم -2 .. (المراسيم الملكية السبعة)

بقلم محمد حسن العرادي

ما أكثر المواقف والأوضاع التي تغيرت بجرة قلم في حياتنا السياسية والمعيشية خلال العقود الماضية، وهنا نستعرض عدداُ من المحطات الحاسمة التي حدثت فيها تغييرات رئيسية أثرت على حياتنا بشكل كبير، الأمر الذي يدعونا إلى الاعتقاد بأن إصلاح الحياة السياسية التي تعيشها بلادنا بعد أحداث فبراير 2011 يمكن آن يحدث بجرة قلم واحدة إذا توفرت الظروف المناسبة والإرادة السياسية اللازمة لذلك.

البعض يعتقد بأن جرة القلم التي نتحدث عنها لا بُد وأن تكون سلبية دائماً، لكن الواقع يقدم لنا نماذج أخرى من جرة القلم الإيجابية أيضاً، والتي فتحت آفاقاً رحبة للإصلاح والإنفتاح السياسي والتسويات الكبرى للأزمات، فكم من جرة قلم عبرت بنا مسافات من الزمن وطوت أحداثاً جسيمة ما كان لها أن تطوى وفق المسارات الإعتيادية، جرة قلم ادخلتنا عصراً ذهبياً مليئاً بالحريات التي ما كنا نتوقعها.

وأبرز مثال على ذلك جرة القلم الذهبية التي قادت إلى إطلاق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم حفظه الله ورعاه، ذلك المشروع الذي أعاد الحياة النيابية والبلدية وقدم حزمة من الإصلاحات التي ملئت قلوب وعقول المواطنين بالأمل في مستقبلٍ زاهٍ يعيشون فيه في ظل دولة المؤسسات والقانون، جرة قلم أسست لحياة سياسية علنية لأول مرة في البحرين منذ عهد الإستقلال عام 1971.

ومنذ تلك اللحظة الجميلة ونحن نعيش في انتظار جرة قلم إيجابية أخرى تعيد وصل ما إنقطع من بريق الأمل بسبب أحداث فبراير 2011، ونتطلع للتوصل إلى نقطة توافق سياسي متين تؤصل لنظام ديمقراطي عريق مستقر ، مستمر وثابت يجسد الحقوق العامة ويرفع سقف الحريات ومعايير حقوق الإنسان والتنمية المستدامة، ويساهم في تعزيز مكانة البحرين وتحصينها أمام الهزات السياسية، بما يدفع بقطار التنمية الإقتصادية والاجتماعية إلى محطات وقواعد راسخة وصلبة، يكون العمل السياسي والشأن الديمقراطي فيها قائم على مبادئ أساسية تحقق المواطنة الكاملة المتساوية المحمية بموجب الدستور الذي ينص على أن الشعب مصدر السلطات جميعاً بعيداً عن أي تمييز بسبب الدين أو المذهب أو اللون أو الجنس أو الموقف السياسي ومن بين جرات القلم التي نرصدها في حياتنا ونتخذها عبرة ما يلي:

جرة القلم الأولى .. صدور المرسوم الأميري بقانون بشأن تدابير أمن الدولة في 22 أكتوبر 1974، وقد نصت المادة الأولى منه على " إذا قامت دلائل جدية على أن شخصاً أتى من الأفعال أو الأقوال أو قام بنشاط أو اتصالات داخل البلاد أو خارجها مما يعد إخلالاً بالأمن الداخلي أو الخارجي للبلاد أو بالمصالح الدينية والقومية للدولة أو بنظامها الأساسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو يُعد من قبيل الفتنة التي تؤثر أو من المحتمل أن تؤثر على العلاقات القائمة بين الشعب والحكومة أو بين المؤسسات المختلفة للدولة أو بين فئات الشعب أو بين العاملين بالمؤسسات والشركات أو كان من شأنها أن تساعد على القيام بأعمال تخريبية أو دعايات هدامة أو نشر المبادئ الإلحادية جاز لوزير الداخلية أن يأمر بالقبض عليه وإيداعه أحد سجون البحرين وتفتيشه وتفتيش سكنه ومحل عمله وإتخاذ أي إجراء يراه ضرورياً لجمع الدلائل واستكمال التحريات".

"ولا يجوز أن تزيد مدة الايداع على ثلاث سنوات كما لا يجوز القيام بالتفتيش أو اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الأولى إلا بأمر من القضاء، ولمن قُبض عليه طبقاً للفقرة الأولى أن يتظلم من أمر القبض بعد انقضاء ثلاثة شهور من تاريخ تنفيذه إلى محكمة الاسئناف العليا، ويتجدد التظلم كلما انقضت ستة أشهر من تاريخ القرار برفض التظلم".

لقد كانت تلك فترة حالكة السواد خيم على البلاد خلالها الشك والريبة والقمع والألم حين زج بالعشرات من خيرة أبناء وبنات الوطن في غياهب السجون بدون محاكمات - سجن إداري- قضى بعضهم نحبه شهيداً وخرج بعضهم معاقاً كسيحاً بسبب المطالب العادلة التي رفعوها من أجل رفعة الوطن وتحقيق العدالة وسيادة القانون.

وكان هذا المرسوم - السيء الصيت والسمعة - أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الصدام القاسي في بداية تشكيل دولة كا بعد الاستقلال عن الاستعمار البريطاني، بين أعضاء المجلس الوطني 1973 وبين الحكومة، الأمر الذي قاد إلى حل المجلس في 23 أغسطس 1975، وبموجب قرار الحل تم تعليق العمل بعدد كبير من مواد دستور 73، وأحيلت صلاحيات السلطة التشريعيه وإصدار القوانين نتيجته إلى الأمير والسلطة التنفيذية.

لقد استمر الوضع الأمني والسياسي الذي تلى حل المجلس الوطني متأزماً ومتوتراً ومستفزاً طوال أكثر من 27 عاماً من حكم المغفور له بإذن الله الأمير السابق سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفه، ورغم الكثير من الإحتجاجات والتظاهرات والهَبات الجماهيرية المُطالبة بعودة الحياة النيابية، وتفعيل المواد المجمدة من الدستور بما في ذلك المطالب التي حملتها إنتفاضة التسعينات والتي إستمرت عقداً كاملاً في أعقاب تحرير دولة الكويت من الإحتلال العراقي، وموجة الوعود البراقة - أطلقها الامريكان - بنشر الديمقراطية في دول الخليج العربية والتي تُرجمت بحركة تأسيس مجالس شورى صورية، إلا أن هذا الوضع قد تغير في البحرين بين ليلة وضحاها بجرة قلم نرصدها في الموقف التالي؛

جرة القلم الثانية .. حدثت عندما استلم الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفه مقاليد الحكم في أعقاب وفاة والده في 6 من مارس 1999، فقام خلال فترة وجيزة بإلغاء قانون أمن الدولة ومحكمة أمن الدولة وكل ما ترتب عليها من أوضاع سياسية وامنية في 5 من فبراير 2001، منهياً بذلك عقوداً من الأزمات وفاتحاً الباب لتحقيق مصالحة حقيقية شارك فيها الجميع بفرحٍ غامر، وساهمت تلك المبادرة الثمينة الحكيمة في تهيئة الأجواء الإيجابية التي دفعت المواطنين إلى الإقبال المنقطع النظير على المشاركة الفاعلة والتصويت بنعم في الإستفتاء على ميثاق العمل الوطني بتاريخ 14 فبراير 2001، فكانت نتيجة التصويت المذهلة بالموافقة التي بلغت نسبة 98.4%، وبما يُشبه الإجماع الحقيقي من الناس الذي جعل من البحرين حينها واحة للسلام وقائدة ورائدة للإصلاح السياسي في المنطقة.

جرة القلم الثالثة .. حدثت حين أصدر الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة عفواً شاملاً عن السجناء والمعتقلين السياسيين المتهمين والمحتجزين بموجب قانون أمن الدولة، سواءً كانوا قد اعتقلوا أو سجنوا أو كانوا يواجهون تهماً بالسجن أو محكوم عليهم بالملاحقات الأمنية داخل أو خارج البلاد، حتى تم تبييض السجون بشكل كامل لأول مرة في البحرين - فترة ذهبية ليتها تعود قريباً - وقد مكّن مرسوم العفو ذاك من حصول جميع المواطنين المتهمين بالتورط في قضايا سياسية وأمنية في عهد قانون أمن الدولة على العفو العام دون مواجهة أية إتهامات أو ملاحقات، مما أدى إلى عودة جميع المعارضين السياسيين والمنفيين المقيمين خارج البلاد طوال العقود السابقة للاستقرار بشكل نهائي في حضن الوطن مهما كانت تهمهم.

جرة القلم الرابعة .. حدثت عندما قرر مجلس النواب 2018 التصويت على تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، في حركة انتقام سياسي انفعالية تجسدت في إصدار القانون رقم 25 لسنة 2018 القاضي بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي أدى إلى مزيد من التضييق والخنق السياسي، وجاء في المادة الأولى من ذلك القانون: يُستبدَل بنص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية، النص الآتي:

"ويُمنع من الترشيح لمجلس النواب كل مَن:

1- المحكوم عليه بعقوبة جنائية حتى وإنْ صدر بشأنه عفو خاص عن العقوبة أو رُدَّ إليه اعتباره.

2- المحكوم عليه بعقوبة الحبس في الجرائم العمْدية لمدة تزيد على ستة أشهر حتى وإنْ صدر بشأنه عفو خاص عن العقوبة.

3- قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية الفعليين المنحلَّة بحكم نهائي لارتكابها مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو أيِّ قانون من قوانينها.

4- كل مَن تعمَّد الإضرار أو تعطيل سير الحياة الدستورية أو النيابية، وذلك بإنهاء أو ترْك العمل النيابي بالمجلس، أو تم إسقاط عضويته لذات الأسباب"

وهكذا كبل هذا القانون وخاصة من خلال النقطة رقم 3 والنقطة رقم 4 من التعديل، جميع المواطنين المنتمين للجمعيات السياسية المنحلة (جمعية العمل الاسلامي - امل، جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، جمعية العمل الوطني الديمقراطي - وعد) والذين يقدر عددهم بما يقارب 100 ألف مواطن وحرمانهم من حق الترشح للانتخابات النيابية، ثم تم التوسع في تشديد التضييق وصولاً إلى حرمان هؤلاء من حق الترشح لمجالس إدارات الجمعيات الأهلية والأندية الرياضية ومن في حكمهم.

ولأننا شعب يحمل بين جنباته الأمل والتطلع لمستقبل أفضل فإننا في إنتظار جرة قلم خاصة ينتظرها الكثير من أبناء البلد ويتأملونها على أيدي جلالة الملك المعظم تتمثل في صدور مراسيم ملكية عاجلة بقوانين تعيد للحياة السياسية فاعليتها ومصداقيتها وبريقها الذي خبا، وتفتح الباب لمصالحة حقيقية تعالج تداعيات أحداث 14 فبراير 2011 من خلال صدور ما يلي :

1- مرسوم ملكي بالغاء القانون رقم 25 لسنة 2018.

2- مرسوم ملكي بالغاء القانون رقم 36 لسنة 2018.

3- مرسوم ملكي بالغاء القانون رقم 30 لسنة 2022 .

4- مرسوم ملكي بالغاء أحكام حل الجمعيات السياسية.

5- مرسوم ملكي بالعفو العام عن جميع السجناء السياسيين.

6- مرسوم ملكي باعادة الجنسية البحرينية لمن أسقطت جنسياتهم .

7- مرسوم ملكي بعودة المنفيين والمبعدين الى أرض الوطن معززين مكرمين.

وهكذا نؤمن بأن جلالة الملك المعظم قادر بجرة قلم أن يعيد البسمة والاستقرار والطمأنينة إلى نفوس البحرينيين جميعاً، لأننا نراه أهل لهذه المبادرات والخطوات التي لم تستعصي عليه حين أطلق مشروعه الاصلاحي الكبير في بداية عهده الميمون، عندها سنشهد عودة جميلة للحياة السياسية والعملية الديمقراطية بعد أن تعلمنا الدرس وحفظناه جميعاً، فتعود البحرين رائدة وقائدة للإصلاح والسلم الاجتماعي في المنطقة العربية جمعاء.

قد يرى البعض أن الأمر صعباً ومستحيلاً ، لكننا على ثقة بأن جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظهما الله ووفقهما إلى ما فيه خير البلاد والعباد، قادرون على قيادة السفينة وتوجيهها إلى بر الأمن والأمان كما فعل جلالته حفظه الله حين أطلق مشروعه الإصلاحي الكبير في العام 2001 وليس ذلك ببعيد على سجاياه وشيمة العربية الأصيلة.

ودون شك فإن صدور مراسيم ملكية مباشرة خلال الإجازة النيابية سيساهم في بلسمة ومداواة القلوب وخلق أجواء إيجابية تحرك الحياة السياسية وتفعلها من جديد بما يصحح الوضع السياسي الراكد ويحفز على الاندماج المجتمعي للمواطنين في العمل البناء والإسهام الإيجابي في مشاريع الدولة لتعزيز التنمية المستدامة وتحقيق رؤية 2030، وثقتنا عميقة في جرة قلم مفرحة كبيرة جداً ليس لها سوى الملك المعظم حفظه الله ورعاه ووفقه إلى كل خير وصلاح، والله من وراء القصد